كتائب القسام وجهُه إلى القدس وخطاهُ إلى الجبهة فلسطين الأخبار الإثنين 21 تموز 2025 لم يكن الشهيد المجاهد محمد سعيد إيز
كتائب القسام: وجهُه إلى القدس وخطاهُ إلى الجبهة
فلسطين
الأخبار
الإثنين 21 تموز 2025
لم يكن الشهيد المجاهد محمد سعيد إيزيـدي (الحاج رمضان) اسماً عابراً في سجلّ من دعموا القضية الفلسطينية، ولا كان وجهاً طارئاً في مسيرة الإسناد أو ساحة التفاعل مع معاناة هذا الشعب المظلوم، بل كان رقماً ثابتاً، وركناً مكيناً، ومِفصلاً من مفاصل صناعة القوة في مشروع «المقاومة الإسلامية في فلسطين»، خصوصاً في جناحها العسكري المتقدّم، في كتائب الشهيد عز الدين القسام.
لقد عرفناه في الكتائب أخاً ناصحاً، ورفيقاً صادقاً، وسنداً عملياً لا يُغني عنه غيره، كانت له عينٌ على ميادين العمل العسكري، وأخرى على خط الإمداد، وفؤادٌ لا ينفكّ يهتف للقدس وأقصاها، ولساحات الاشتباك ومقاوميها. كان الحاج رمضان من أولئك الرجال الذين تصنعهم ميادين الجهاد، وتربّيهم ليالي الحصار، وتشتدّ عروقهم في ساحات البذل، حيث لا يَعرفون حياةً إلا موقوتةً على ساعة التحرير.
ثلاثة عقود ونيّف، والحاج رمضان يُراكم بصمتٍ وصدقٍ في مشروع التحرير، انطلقت مسيرته الجهادية الحقيقية من لحظةٍ ظنّها العدو لحظة «إبعاد»، لكنها كانت عنده لحظة «اقتراب» من جوهر المعركة. منذ مرج الزهور عام 1992، حين اجتمع من نُفوا من أرضهم على عهد الشهادة والعودة، كان هو هناك، لا مُبعداً عن فلسطين، بل مقرّب منها أكثر من كثيرين في داخلها. كان بين قادة المقاومة يشاركهم الرأي والتخطيط، يمدّهم بالعون والوفاء، ويرى فيهم بذور النصر القادم. ولم تكن تلك المحطة لحظة عابرة في حياته، بل تحوّلت إلى قاعدةٍ بنى عليها تواصله المستمرّ مع الفصائل وقادة العمل المقاوم في فلسطين، خصوصاً مع «كتائب القسام»، الذين وجدوا فيه رجلاً من معدنهم، ورفيقَ دربٍ لا يُملّ صدقه ولا يخبو عطاؤه.
في سنوات طويلة من الجهد الصامت والهمّ الثقيل، عمل الشهيد الحاج رمضان على تحويل الإمكانات إلى قدرات، والطاقات إلى منظومات، فكان بمنزلة «مهندس الإسناد الإستراتيجي» للمقاومة من خارج حدود فلسطين. لم يكن مجرّد ناقلٍ لدعمٍ مادي أو وسيطٍ بين جهة وأخرى، بل كان صانع قرار، وفاعل تأثير، ومطوّراً حقيقياً لقدرات المقاومة، يعرف احتياجاتها الدقيقة، ويعي أولوياتها، ويعمل بصبرٍ على توفيرها مهما كلّف الأمر.
لقد عايش كل مراحل تطوّر المقاومة، من الطلقات الأولى والبندقية البسيطة، إلى الصواريخ المركّبة، والطائرات المُسيّرة، وأنفاق الأرض التي تفجّر قلب العدو، فكان في قلب هذا التطور يمدّ الجسور، ويذلّل الصعاب، ويطرق أبواب الدعم، ويواكب كل تفصيلة، لا يغيب عن جلسة تقييم، أو لقاء تنسيق، أو جولة تطوير.
وكان من أبرز ما تميّز به الحاج رمضان، إيمانه الصادق بأنّ المعركة مع العدو الصهيوني ليست مسؤولية الفلسطينيين وحدهم، بل هي واجب الأمة كلها، وكان لذلك حريصاً على أن تكون إيران -بقيادتها وشعبها ومؤسّساتها- في قلب هذا الواجب، لا تدّخر مالاً ولا عوناً ولا رأياً في سبيل نصرة فلسطين.
مع رفيق دربه الحاج قاسم سليماني، كان الحاج رمضان شريكاً حقيقياً في مشوار بناء «محور المقاومة»، ومع خليفته المجاهد الحاج إسماعيل قاآني، ومع كل المخلصين من أبناء الجمهورية الإسلامية، كان حريصاً على أن تظلّ فلسطين وجهة البوصلة، و«كتائب القسام» و«سرايا القدس» في قلب الاستعداد والدعم والتواصل.
وفي أتون معركة «طوفان الأقصى»، لم يكن شهيدنا في الظلّ، بل كان في صلب المعركة، حاضراً في المشهد، مشاركاً في الرأي، متابعاً للتطوّرات، مهتماً بأدقّ التفاصيل، يدفع بكل ما أوتي من قوة في سبيل نجاح المعركة، ويعمل على رصّ الصفوف، وتعزيز التنسيق، وجمع القلوب والجهود على هدف واحد: دحر العدو وتحقيق الإنجاز الميداني الكبير.
لقد عرفناه صاحب همّة عالية، لا يكلّ ولا يملّ، لا يتوقّف أمام خلاف ولا يُثنيه تباين، كل تركيزه كان كيف يقوّي شوكة المجاهدين، ويضمن استمرار القتال في كل الظروف. كان يقف من خلف خطوط النار، لكنّه بروحه معنا في كل مواجهة، في غزة، في الضفة، في القدس، في جنين، في الخليل، يتابع لحظة بلحظة، ويُشرف على جهود الدعم والتهيئة.
وكم من مرة جلسنا معه في لقاءات خاصة، كنا نراه فيها خاشعاً، صادقاً، كأنه واحدٌ من شهدائنا القادة، كأننا نجالس أبا خالد الضيف، أو أبا البراء مروان عيسى، أو أبا إبراهيم السنوار، بثباتهم وبصيرتهم وعشقهم للشهادة. لقد كان شهيدنا قريباً لنا، حتى ليظنّه من لا يعرفه فلسطينياً من أحياء غزة أو أزقّة الضفة، لا تفرّقه عن القادة الميدانيين إلا لهجته، لكن فكره وفؤاده وروحه كلها كانت فلسطينية، جهادية، مقاومة.
ونحن نودّع هذا القائد المجاهد، فإننا لا نرثيه بقدر ما نعاهده، ونستعيد سيرته لا لنحزن، بل لنتقوّى، ونتذكّر أن الرجال لا يُقاسون بعدد كلماتهم، بل بعمق أثرهم، وأن من يعمل بصمت يُحدث الضجيج في روح العدو حين يُفتقد.
لقد ارتقى الحاج رمضان شهيداً، كما تمنّى، بعد عمرٍ حافلٍ بالطاعة والعمل والجهاد، ولا نبالغ إذا قلنا إنه كان «شهيد فلسطين»، وهو على قيد الحياة، وها هو اليوم «شهيد فلسطين» عند ربّه، وقد اجتمع برفاق دربه من الشهداء الذين سبقوه، على رأسهم الحاج قاسم سليماني، وأبو العبد هنية، وأبو خالد الضيف، وأبو البراء عيسى، وغيرهم من القادة الأطهار جميعاً.
إننا في «كتائب الشهيد عز الدين القسام»، نزفّ هذا القائد الجهادي الكبير، ونؤكد أنّ ما تركه من أثر، وما أسّسه من روابط، وما قدّمه من دعم، سيكون لنا كلُّ ذلك عوناً في مواصلة الطريق، وأن دماءه وذكره سيظلّان حافزيْن دائماً لنا، حتى يُكتب النصر وتُحرّر فلسطين من بحرها إلى نهرها، ويعلو صوت الأذان من المسجد الأقصى من غير قيدٍ ولا احتلال.
قيادي في كتائب الشهيد عز الدين القسام
ان ما ينشر من اخبار ومقالات لا تعبر عن راي الموقع انما عن رأي كاتبها